لم أكن أقصد أن أكون
كاتباً، أو أديباً، عندما طلب مني مدير تحرير مجلة الرسالة
الكويتية أن أقوم بتدوين ما تحدثت به عن نجيب محفوظ بعد استشهاد
الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني بأيام معدودة. حتى ذلك التاريخ كنت
قارئا جيدا منذ أن تقصدت قراءة كل ما كتب عن مدارس الفن الحديث
حين كان عمري لا يتجاوز الخامسة عشرة. كنت مفتوناً بالرسم والنحت
والموسيقى والقراءة منذ التحقت بالصف الأول ابتدائي في مدرسة
قتيبة في الكويت عام 1959. وكان والدي رحمه الله أول المعلمين لي
فن الرسم. لذلك دخلت عالم القراءة لصقل موهبة موروثة وجل ما كان
يشدني في أي كاتب وكتاب قدرته على التصوير. عام 1967 بعد النكسة
مباشرة قرأت «الضاحك الباكي» في القرية ثم «رد قلبي» في الكويت
وهي الرواية التي أدخلتني عالم الروائيين ومن ثم القصة القصيرة.
وخلال خمس سنوات كنت أنتهي اسبوعياً تقريباً من قراءة رواية
لأنشغل بقراءة كل ما كتب من دراسات نقدية حولها أو أشرع بقراءة
رواية ثانية. حتى ذلك التاريخ كنت قد قرأت أهم الروايات العربية
الصادرة من «زينب» حتى «كانت السماء زرقاء» وجل تركيزي كان على
نجيب محفوظ ويوسف إدريس من الكتاب العرب وعلى جون شتاينبك ومارك
توين وارنست همنجوي وفيكتور هيجو. دراسة الأدب الإنجليزي أفادتني
قليلاً وفتحت عيني على كتاب آخرين لم أكن قد قرأت لهم مثل جيمس
جويس وهنريك إبسن وت. س. اليوت. لكنها، أي الدراسة الأكاديمية،
أسهمت في تعليمي فن الكتابة النقدية بحيث بت أتلمس الفرق الكبير
بين الكلام والكتابة. كثير من الكتاب اليوم يتحدثون وهم يكتبون،
وهنالك فرق شاسع بين الكتابة كحرفة وصنعة وبين الكلام المسموع،
وأظنني بت أتفهم أسرار جودة النوعين من دون إدعاء الشعر. أحب
قراءة الشعر جداً لكنني لا أكتبه. وكل الذين قرأت لهم خلال
أربعين عاماً أثروا بطريقة أو بأخرى في تطويري لأدوات الكتابة
وتقنياتها التي لا يمكنك أن تسبر أغوارها وملهماتها وتفاعلاتها
إلا أثناء عملية الكتابة نفسها حيث تتوارد الأفكار والمكتشفات
ويتم فحص المفردات والتراكيب وابتكارها. ورغم طول الرحلة إلا
إنني لم أستقر حتى الآن على أسلوب محدد، خاصة في القصة أو النص
أو الرواية التي مازلت أحلم بكتابتها ذات يوم أو الانتهاء من
إشباع رغبتها الجامحة بأن تنجز على شكل وفي بنية جديدة.
فالموضوعات والأفكار ليست ذات معنى إن لم تبتكر أشكالها
وتقنياتها الجديدة. هنالك موضوعات وأفكار لا بد أن ترسم وأخرى أن
تعزف وأخرى أن تقدمها السينما أو المسرح ومع ذلك منا، الكتاب، من
لا يحلم بأن ينجز بالكلمة فناً يحمل ممكنات جميع هذه الأشكال؟
أعتقد أن الكاتب المتمكن المبدع والمحترف يمكنه أن يكون
مصدراً من مصادر الإلهام لمخرج مسرحي أو سينمائي يحيل ممكنات
الكتابة إلى أدواته هو من سينوغرافيا وحركة وموسيقى وبالتالي
يضيف على الكتابة ما كانت عاجزة عن الإتيان به. وأظن أن كل كاتب
محترف لا يستطيع اليوم أن ينجز عمله بمفرده وبمعزل عن الفنون
الأخرى. كما أن الحدود الفاصلة بين الفنون باتت اليوم واهية.
وكما توقع إي. أم. فوستر: «الفنون عندما تتقدم تستعير من بعضها
البعض» وقد صدقت نبوءته، حيث أصبحنا نشهد في السنوات الأخيرة
تحول شعراء نحو الرواية أو تحول شعراء نحو النقد والقصة وآخرون
من الرواية والقصة للمسرح أو للشعر أو حتى للسينما أو الموسيقى
أو الرسم وما لا نعلم سوى تلك الرغبة، التي أكثر من فسرها إرنست
فيشر في كتابه «ضرورة الفن».
* كاتب فلسطيني
*في شهادة لك نشرتها "
الرأي" الأردنية
عام 1999 قلت مفسراً اعتزال إصدارك
للكتب لسنوات طويلة بعد مجموعة" الدهس "
أنك بحاجةلمساحة أكبر من الحريات فهل تغير
الوضع مع إصدارك للكتاب الخامس بعد غياب 22
عاماً؟
-بالطبع هنالك متغيرات في حجم الادعاء
الرسمي بالإصلاح و حقوق الإنسان و
الحريات و الديمقراطية و على الكاتب أن يجيد التعامل
مع هذه المتغيرات و"
الإدعاءات" ، بل عليه أن يكون جاهزاً للتعامل معها عندما تحدث
و يتوقعها. لحسن حظي أنني لم
أجد مشكلة في التعامل مع الرقيب الكويتي و لا الرقيب الأردني و الفكرة الشائعة
عن " الرقيب" تحتوي على شيء من المغالطة. فالكاتب المحترف، و خاصة في الأدب،
عليه ببراعة أن لا يوفر زوائد فاقعة لمقص الرقيب.
سوف أمتدح دائرة المطبوعات و
النشر الأردنية لأنها أجازت روايتي تحديداً تاركة
الأمر بذكاء لرقابة الجهة
الداعمة، حيث تحفظت دائرة ثقافة أمانة عمان على بعض السطور
و الكلمات لما هو مجاز من
دائرة المطبوعات! و قد قام الأستاذ القاص و الناشر
خليل السواحري بما أمكنه لتلبية
شروط لجنة قراءة النصوص المجحفة لدرجة أنني مقتنع
حتى اليوم أن الرقيب الفعلي
يداوم في مؤسستها الثقافية و ليس في دائرة المطبوعات والنشر. و إذا تكرر ذلك مع
وزارة الثقافة فستكون طامة كبرى أن يوجد لدينا أكثر
من رقيب لا يشغل وظيفة رقيب
المطبوعات بل منصباً ثقافياً في جميع مؤسساتنا
الثقافية المنوط بها الدفاع عن و
دعم المثقف و الأديب و ليس مساومته قبل دعم
إصداره
المساومةبين موظف و بين مبدع و
مثقف حقيقي تنطوي على مفارقة مأساوية. فهل تعلم أن بعض من هم معينون على كادر
الدائرة الثقافية لأمانة عمان لم يستوعبوا أن القصص مكتوبة بتقنيات حديثة
عالية الجودة و فكرتهم عن القصة القصيرة عفى عليها الزمن
منذ أربعين عاماً؟ في
كتاب الدعم قالوا" إنها مجموعة نصوص..." في حين كتب
خليل السواحري عنها أنها "
مجموعة قصصية متميزة لغة و سرداً و أسلوبا جاء مدهشاً
*
لكن خليل السواحري أيضاً ربما
كان مجحفاً بحق كاتب ماركسي
عندما قال عن القصص أنها:" تشبه إلى
حد كبير عوالم كافكا
ترى أن السواحري يتهمك
بالوجودية؟ ألا
-حالياً لم تعد الوجودية في عصر
العولمة تهمة
لمن يتفهمون
هذه الفلسفة في الأدب، حقيقة أنه من الممكن العثور على ماركسي
في السياسة و الاقتصاد و
وجودي في الوقت نفسه في الفن. بل ربما كان هذا أفضل من
أن يتحول الفن إلى منبر دعائي
للحزب أو الأيدولوجيا، أذكر سطوراً مما كتبه الدكتور محمد عبد القادر عن كتابي
الأول" البحث عن مساحة" فقد كتب في
"
الوطن"
الكويتية و " كتابات"
البحرانية أن على السياسي أن يستخلص
الدروس الأيدلوجية و الفكرية
التي يقدمها له الأدب الواقعي،
و لست أخفي هنا إشارة عبد القادر الذكية لما كتبه
الأستاذ محمود الريماوي في "
الوطن" في مجال انتقاده لي على موقفي من " البرجوازية
الوطنية" آنذاك الذي تطرحه قصص "
البحث عن مساحة" و قد جاء رد عبد القادر عليه ليقف
الموقف العلمي الماركسي و الثوري
من " البرجوازية " الذي هو موقف كاتب تلك القصص
*
و هل تغير موقفك ما بين
عقد السبعينيات و العقد الأول من القرن
الواحد و العشرين من هذه الطبقة كما تطرحه
قصصك؟
-ليس كثيراً، لأن الطبقة هي التي تغيرت
أو تحولت. الجالية الأردنية
أو الفلسطينية في الكويت كانت لها ملامح طبقية محددة
و مواصفات بعضها ازداد شراسة
في الدفاع عن مكتسبات الماضي " أيام المستنقع" مثلاً،
و البعض الآخر قاوم لفترة
محدودة أو انخرط في تشكيلات البرجوازية الوطنية الأردنية
و البعض تموضع في تحالفات
وقتية مع البيروقراط الأردني مثل المعلمين و صغار
الموظفين، لذلك
لم يكن من السهل عليّ أن اكتب بنشاط في الأردن قبل
معاينة و مراقبة التحولات الجديدة لواقع جديد، فمن
كانت سمكة في الكويت اضطرتها الظروف الجديدة أن تصبح تمساحاً، و من كان حراً
طليقاً يعمل بوظيفة محددة و مجزية، أصبح عاطلاً عن العمل
أو معتقلاً في مراكز الإصلاح
و التأهيل، كثير من الأسر تحطمت مع نضوب و انهيار
الطبقة الوسطي و هذا ما يدفع الأخ
خليل السواحري لأن يتذكر عوالم كافكا عندما يقرأ بعض قصصي. إذا كان الأمر كذلك
فلا يضيرني كمبدع وجود شبه ما لكنني لم أقرأ شيئاً من
قبل لكافكا و على النقد الأدبي
أن يفسر الأسباب المقنعة لوجود تناص ما بين رؤيتي للواقع و بين رؤية كافكا.
لكن هذا النقد الأدبي لا وجود له في الأردن
* كلمة القاص و الناقد خليل
السواحري على غلاف مجموعتك الخامسة و سمت قصصك
بالكافكوية، هل صحيح أن عوالم قصصك " تشبه
إلى حد كبير عوالم كافكا"؟وما هو السبب
وراء اعتقاد السواحري بذلك؟
- أكنّ احتراماً كبيراً للقاص خليل
السواحري، صاحب مجموعة " مقهى
الباشورة" الذي أعربت عن إعجابي بتوجهاته الواقعية النقدية
منذ أواخر السبعينيات، لكن لا
بد من توضيح أن السواحري لم يقرأ لي من قبل قصصاً كما
فعل العديد من الكتاب و
المناضلين و المثقفين العرب أمثال : غالب هلسة، و خالد أبو
خالد في دمشق و إسماعيل فهد
إسماعيل الذي كتب عني كلاماً طيباً في كتابه عن القصة
في الكويت و ليلى العثمان و
وليد أبو بكر الذي كتب عن قصصي مشيداً بموقعها المتقدم
على خارطة القصة العربية و
محمود الريماوي الذي أشاد بالآفاق الجديدة التي طرقتها
لأول مرة في القصة الفلسطينية
في الكويت و السيد حافظ و أحمد فؤاد نجم و محمد
عبد القادر و محمد الأسعد و
المرحوم عبدالله الشيتي و سهيل الخالدي و المخرج
المسرحي مراد منير وأحمد مطر قبل
أكثر من عشرين عاماً، و آخرون. بمعنى ،أن صدور
مجموعاتي القصصية الأربع الأولى في
الكويت عن مطابع دار الطليعة، دون أن أمتثل لدعم أي
نظام سياسي عربي آنذاك ( و قد
كان متوفراً و جاهزاً للإحتواء ثلاثة أنظمة على
الأقل
آنذاك) و في
ظل الأحكام العرفية التي كانت سائدة في الأردن أيامذاك، لم يتمكن
خليل السواحري من معرفتي أو
قراءة إنتاجي . و هو يقر بذلك بكل تواضع، و لذلك لم
يجد جاهزاً في الذهن عندما قرأ
المجموعة الخامسة غير كافكا دون أن يلاحظ التحول و التطور و النضج في قصص
المجموعة الخامسة الذي يميزها عن قصصي في السبعينيات و
أوائل الثمانينيات. أي أن
السواحري نظر إليّ بصفتي منقطعاً عن تراثي الشخصي.الأمر
الذي استوجب التوضيح هنا لأن
كلمة الناشر في أقل من صفحة لا يمكن أن تدعي الدراسة التفصيلية المسهبة التي
تتوقف عند البدايات و تفحص مسار الكاتب خلال أكثر من
ثلاثين سنة.
* هل هذا يعني أنك تعترض على
تصنيف عالمك ضمن عوالم
كافكا؟
- ليس اعتراضاً تماماً، فالسواحري
يستطيع ببساطة
الدفاع عن
رؤيته و ذائقته، ثم أنني لا أعرف الكثير عن كافكا و لم أقرأ له
لسبب بسيط هو أنني ماركسي
الرؤية في تأمل الواقع و غرامشي النزعة منذ ثلاثين عاماً و
نيف و قارئ جيد لأرنست فيشر و
جورج لوكاتش وأعرف كيف ينظران للأدب و الفن في حين أن
كافكا و جان بول سارتر وكولن
ويلسون من الوجوديين، لكن دعيني أوضح لك الإلتباس
القائم بشكل مبسط. ففي عقديّ
السبعينيات و الثمانينيات و قبل انهيار الإتحاد السوفياتي
و تراجعات حركات التحرر
العربية كانت الأيدولوجيا واضحة للعيان في قصصي المجموعة
في كتب . و اليوم مجموعتي
الخامسة أخفت بحنكة و وعي فني أية شبهة أيدولوجية
لكن الأيدولوجيا ذاتها كامنة
وراء، هناك، في ما لا يبصره القارئ العادي. استخدمت التكثيف من هول التحولات و
الإنكسارات و الهزائم. عدت فعلاً إلى القصص الأولى
التي ظلمتها أنا بنفسي مثل"
غيوم في السماء" و " أم طافش تزور المدينة و العجوز
يروي أشياء عجيبة" و عشرات
القصص التي لم أستطع في تلك المرحلة أن أظهر بها في
كتاب مطبوع. لكنها نشرت مع ذلك
في الصحف و المجلات. عدت لأتحصن في الفن و ليس لتكرار
ما سبق و أن قلته و ما زلت
حتى اليوم أدفع له ثمناً غالياً و يومياً. عدت لأقول
أن السياسة و السياسيون
أرهبوني و أرهبوا قصصي رغم ما قلته فيها و اليوم عدت
للتأكيد على أن هؤلاء الأدعياء
تساقطوا و تراجعوا و تحولوا و بقيت قصصي شامخة للنقاد
فهي أطول عمراً منهم و مني و
من عمر أية حكومة أردنية أو غير أردنية. الفن الحقيقي
باق و سيعمر طويلاً لأن رؤية
علمية و كونية و أممية تقف هناك، وراءه.، و هي القلعة
التي ستظل صامدة للإنسانية
جمعاء . لذلك ليس غريباً إن وجد فيها السواحري
امتداداً لكافكا كما هو ليس
مستهجناً أن يجد فيها ناقد آخر امتداداً لماركيز أو جويس
أو تشيكوف. و أقول لك بصراحة
لو لدي الوقت و المزاج و الترف و بحبوحة العيش
البسيطة لقرأت شيئاً لكافكا كي
أكون منصفاً لأستاذي خليل السواحري الذي تعلمت منه
الجرأة في مجموعته " مقهى
الباشورة" مثلما
تعلمتها من المعلم الكبير أميل حبيبي في
" الوقائع الغريبة في اختفاء
سعيد أبي النحس المتشائل" و من " حال الدنيا" لتوفيق
زياد
وهذا ما
لاحظه الناقد سليمان الشيخ عندما كتب عن المجموعة الرابعة"
الدهس التي صدرت عام 1982 عن دار المشرق
والمغرب العربي، و هي دار نشر ليس لها وجود الآن فقد ولدت بكتابي ذاك و
ماتت و أغلقت مع التعتيم و النبذ الذي مورس ضد تلك
المجموعة من القصص، و التمثيلية
التلفزيونية من حلقتين التي أخرجها السيد حافظ عن واحدة
من قصصي ساهمت أيضاً في تشويه
صورتي و رؤيتي و فكرة القصة نتيجة مقصات الرقيب التي
لم تبق من السيناريو و لم
تذر بالرغم من النوايا الطيبة للسيد حافظ الذي كان
أشد إعجاباً بقصصي من الشاعر
أحمد مطر
حيث وجد الأخير في
أسلوبي ما يذكره بأسلوب جون شتاينبيك. و هذا ما كتبه بنفسه ذات
مرة في جريدة القبس و لم أعترض عليه أيضاً فتلك وجهة نظره رغم أن مواقف
جون شتاينبيك من الحرب الفيتنامية كانت مخجلة و لم
يسعدني أن يجد أحمد مطر وجهاً
للتشابه في أسلوبي مع أسلوب مؤلف " عناقيد الغضب" لكنني
حقاً قرأت معظم رواياته و أظنني
معجب حتى
اليوم
بروايته" اللؤلؤة" و "رجال و فئران" فهو أي شتاينبيك فنان كبير و
لكنه شأنه شأن ت. أس إليوت، مواقفهم السياسية و الفكرية
لا تروقني كصاحب قضية و ملتزم
رغماً عن أحلامي الشخصية بحدود
تجربتي و هموم
واقعي.
* هل تعتقد بعدم وجود نقاد
مختصين في الأردن؟
-ليس بهذه الصيغة المجحفة، و إنما من
السهل وجود عشرات النقاد للأعمال
الفنية الرديئة أو ذات المستوى المتوسط لكن وجود ناقد
واحد للأعمال، خذي المسرحية
منها مثالاً، الممتازة أمر يتطلب ليس وجود هذا الناقد و
حسب بل و توفر الشجاعة فيه كي
يدافع عن الجمال كقيمة اجتماعية و وطنية و أيديولوجية.
و هذا غير متوفر في الأردن
على مستوى المسرح مثلاً. في الذهن أسماء أكاديمية لن
تغامر براتبها الذي يتجاوز الألف
دينار شهرياً من أجل الدفاع عن كاتب أو مسرحي أو فرقة
أو كتاب ممنوع تداوله في
الأردن. أقول هذا و لدي لائحة طويلة من بينات الإثبات
ففي المهرجان المسرحي قبل
الماضي كانت مسرحية عبد الواحد عوزري وثريا جبران "
أربع ساعات في شاتيلا" من أفضل
ما قدم على خشبة المسرح الأردني، و غادر فريق العمل فورإنتهاء العرض الذي لم
يفز بالجائزة و لا حتى بجائزة أفضل نص مسرحي، في
المهرجان الذي تلاه غيروا بعض أسماء
لجنة التحكيم ثم جرت محاولة تزوير نتائج لجنة
التحكيم أثناء وجود الفنان أسعد
فضة على منبر إعلان النتائج فأين الناقد الأردني المختص
و الشجاع من هكذا فضيحة و
إسفاف بل و مساس بسمعة البلد الثقافية و الأكاديمية؟قد
نفلح في تربية كلاب نقدية لأية
سلطة و قد يصاب بعضها بالسعار لكننا في الوقت نفسه
لن نفلح في رفع سوية الذائقة
بدون وجود من يغامر بشجاعة و قد يدفع في البداية
ثمناً لذلك لكنه سوف يلقن
الآخرين المترددين درسا؟ً و يكسب دور
الريادة.
* هل ترغب بالحديث عن قصص
مجموعتك الأخيرة؟
-للقارئ العادي نعم، لكن دعي الفرصة
سانحة للنقاد أو بعضهم للوقوع في
شر أعمالهم أو التمترس خلف تجاهلهم و صمتهم. إننا لو تحدثنا لأرحنا كثيراً منهم
مثلما نفعل الآن. و ليس مطلوباً من الكاتب أن يكون مفسراً و قارئاً أيضاً
لأعماله بالنيابة عن الناقد إلا إذا كان كاتباً يشك
في قدراته و أدوات فنه. لذلك
فإن المجموعة الصادرة تتحدث عن نفسها بنفسها إن وصلت للقارئ.
* هل تستطيع اليوم أن تحدد
أكثر الآداب و الأسماء العالمية تأثيراً في
تجربتك؟
بكل تأكيد ، لا ، فلو كانت ثقافتي
محدودة في إطار الأدب العربي لقلت لك
نجيب محفوظ و يوسف إدريس و لو كانت في إطار الأدب
التركي لقلت لك ناظم حكمت و عزيز
نيسن و لو كانت في حدود الأدب الأمريكي لقلت لك مارك
توين و جون شتاينبيك و همنجوي و
هنري ميلر و لو كانت في حدود الأدب الأسباني لقلت لك سيرفانتيز و لو كانت في
حدود الأدب الفلسطيني لقلت لك فواز تركي و محمود درويش
و غسان كنفاني و سميرة عزام
وتوفيق زياد وأميل حبيبي و خليل السواحري و لو كانت
في حدود أمريكا اللاتينية
لقلت لك ماركيز وجورج أمادو و لو كانت في حدود
الأدب الإنجليزي لقلت لك
تشارلز ديكنز وت. أس. إليوت و الأيرلندي جيمس جويس لكنني
أجد نفسي في هؤلاء جميعاً
مضافاً لهم مارسيل بروست و أراغون و فيكتور هيجو و موليير
من فرنسا و فوكنر في أمريكا و
أجدني أيضاً لا أشبه أحداً منهم في نفس الوقت
وإنما أشبه نفسي
فقط.
* بإيجاز شديد نعرف أنك
تجيده نريد تعليقاتك على الأسماء
التالية:
* محمود الريماوي
-كاتب تقليدي تنقصه شجاعة الفنان و مغامرة المبدع و
ناقد رصين، يطمح لأن يكون كاتباً سياسياً لكن الواقع يخونه دائماً.
* محمود درويش
-أفضل
قارئ يستفيد جداً ممن لا يذكر أسماءهم من الكتاب
العظام.
* سميح القاسم
-طيب إلى حد الغفلة لكنه لا يعرف ذلك
عن نفسه حتى الآن
* محمود شقير
-مستقبله هو ماضي رسمي أبو
علي
* رسمي أبو علي
-صعلوك كاهن بعد الستين و حريص على دخل
ثابت.
* تيسيرنظمي
-زوج سابق لا يقدر العواقب و أبو غضب
أفضل منه.
*
محمد الأسعد
-باحث ممتاز و يعتقد أنه وجد مساحة في الرواية لأن
هاجسه محمود درويش الذي يفوقه دهاءً
* غسان كنفاني
-اكبر مناضل فلسطيني في القرن العشرين
يكون شعبه المسئول عن تبديد طاقاته و هدر دمه قبل أن يبلغ
السابعة و الثلاثين
* ناجي العلي
أفضل من كان يمكنه أن يصفني و يسخر أو يقرأ
قصصي بالكاريكاتير
* رشاد أبو شاور
أخشى ما
أخشاه أن يفوز بانتخابات
الرئاسة
* أمجد ناصر
صحفي
نسي أن يكون الشاعر
* جان دمو
شاعر
نسي أن يعيش
*
سميحة خريس
كم نحن
بحاجة إلى إمكانياتها في وزارة التربية و التعليم
* غالب هلسة
عاش
حياته بشجاعة كما يشتهي أن يكون
* جون شتاينبيك
أفضل
فنان روائي رعديد في العالم
* آرثر رامبو
أنبل
شعراء العالم على الإطلاق
* لويس أراغون
أفضل
عاشق عربي أول
من خذله
العرب
* جان جينيه
معجزة
فرنسا التي لن تتكرر
* خوسيفا بارا راموس
أفضل صديقة رأيتها و قرأت
لها دون أن نجيد لغة مشتركة غير الشعر
* فخري صالح
ليس قبل
أن يكتب عن مجموعتي، و الأرجح أنه لن يكتب.
* إلزا تروليه
للشعب
الروسي أن يفخر بها مدى الحياة
* إلزا نظمي
أغلى ما
لا أملك، و أفضل من يضحي
بصمت.
أنجزنا الهزيمة
باقتدار و لم ننجز حتى الآن طرح
الأسئلة "
وجّهت الحقائق الثقافية إلى نخبة من
الأدباء والكتاب
العرب سؤالها
التالي ضمن ملف الثقافية الفصلي ويسر الثقافية أن توالي نشر ما
يردها من الإجابات على التوالي
حسب ورودها إلينا، والحقائق تؤكد على نشر كل الآراء الواردة كما وردت تماما
وكما هو ديدنها دون معالجات من أي نوع وبمنهى الحرية والشفافية ...كما ونشكر
أيضا من اعتذر عن المشاركة في هذا الملف وأرسل جواباً..
السؤال: ثقافة الاستسلام أو
ثقافة الهزيمة نشطت مؤخرا بشكل لافت ووجدت لها منابر
وأدوات وأصوات في مشهدنا الثقافي العربي وانتقلت من
مرحلة التبرير إلى مرحلة
(التبشير) وأصبحت في تقييم البعض حراباً جديدة هل تتفقون مع
هذا التقييم أم لا ؟
وثانياً هل كان ذلك نتاج فشل السياسي وتزعزع الفكري أم
تواطؤ الثقافي أم هو محصلة
سقوط (للثقاسياسي) معاً ؟ وأخيراً كيف الخلاص ؟
أنجزنا الهزيمة
باقتدار و لم ننجز حتى الآن طرح
الأسئلة "
السؤال يحمل ضمناً إجابة أيدولوجية،
و يحيلني إلى آخر ما قاله
أدونيس في آخر لقاء معه مع صحيفة نيويورك تايمز بأن
ثقافتنا لا تطرح الأسئلة، و إنما
أجوبة جاهزة عن كل شيء و لكل شيء. فصيغة السؤال تقرر
سلفاً أن هنالك ثقافة استسلام أو
ثقافة هزيمة، و أنها نشطت و انتقلت من مرحلة إلى
مرحلة أخرى فأصبحت حراباً جديدة،
بمعنى أن هنالك حرابا قديمة، و بالتأكيد الأمر لا
يمكن تبسيطه على هذا النحو، كما
أن النظرة الميكانيكية في الفصل بين السياسي و
الثقافي يطرح معضلة في فهمنا للجزء
و هو السياسي من الكل و هو الثقافي. و من الطبيعي أن الفكري يجمع كافة الأنشطة
الإبداعية و الأدبية الفنية والنشاط السياسي كتعبير
من أشكال التعبير الثقافي.أما
محصلة السؤالين الأول و الثاني فقد جاءت بسؤال
لاهوتي ثالث عن كيفية الخلاص.
كان لابد من توضيح هذه
المقدمات باعتبارها تشير إلى أوجه الخلل حتى في ثقافتنا
العربية الإسلامية التي شاء لها الزمن و الإنكسارات أن
تطرح أسئلة متأخرة عن الخلاص
سبق أن طرحت في المشهد الثقافي البانورامي لتجليات
القرن العشرين السابق. و هي من
نوع الأسئلة المبكرة التي طرحها الأدب في مصر في
النصف الأول من القرن الماضي. و
في الرواية تحديداً مثل" عصفور من الشرق" و " قنديل
أم هاشم" و طرحتها الثقافة في
كتاب " مستقبل الثقافة في مصر" و شملت أسماء توفيق الحكيم، يحي حقي، سلامة
موسى، محمود أمين العالم و عبد العظيم أنيس.
و هذه أسماء من عشرات
الأسماء التي عبرت عن الثقافة العربية في مصر النهضة و
التحرر الوطني و لم تكن في يوم من الأيام مع قريناتها من ثقافات قطرية
و قومية و يسارية في لبنان و الجزائر و العراق و
سوريا ثقافات هزيمة واستسلام.
لكنها أيضاً كانت تحمل معضلاتها و إشكالاتها الأيدولوجية
و ما تزال. أردت منذ البدء
الاحتجاج على صيغة السؤال، فلا توجد ثقافة هزيمة و
لا ثقافة استسلام، يوجد
مستسلمين بالمعنى السياسي و يوجد مستفيدين من الهزيمة، لكن
لا توجد ثقافة للهزيمة. و
يبدو أننا مختلفين في تحديد مفهوم " الثقافة" أولاً التي
من الطبيعي أن تتعرض للكبوات
و التراجعات الدراماتيكية خاصة تلك التي تكون محملة
بما لا تحتمل من بطولات الماضي
و من شعارات الحاضر الذي أصبح ماضياً قريباً بعد
تداعي الحليف السوفياتي لمثقفي
اليسار و بروز الحليف " الديمقراطي" الجديد ممثلاً
بالغرب و تحديداً الأميركان وعلى
وجه الدقة إدارة الرئيس بوش و المحافظون الجدد.
من الطبيعي لأي شعب حي و
أية ثقافة حية متفاعلة مع العصر و عوامل الضعف الذاتي أن
تعاني من تحولات. وهذه التحولات من الضروري إخضاعها لعملية فحص موضوعي
و علمي كي نتفهمها و نتعرف على آليات صنعها و
ميكانيزمات التحكم بها و السيطرة
عليها كي يتم توظيفها لمصلحة الشعوب أو كما يدعي البعض
لمصلحة " الأمة"!
و لو كانت هذه النظرة
الموضوعية موجودة منذ نصف قرن لما جوزف باتهام سلامة موسى و
سعيد عقل و كثير من مفكري اليسار والتقدم بما يصل حدود الخيانة ذات يوم في
مراحل احتدام الصراع الفكري في الوطن العربي. و اليوم
نحن مطالبون بأعلى درجات
المسؤولية أن نتريث في إطلاق الإتهامات ليحل محلها الحوار.
حتى المنهزم عليه أن يحترم
المنتصر ليس لأنه
الأقوى، بل
لأسباب انتصاره. و بدلاً من كيل الشتائم و التهم لهذا و ذاك على
المنهزم أن يفهم أسباب هزيمته. لقد
أنجزنا في الثقافة العربية السائدة كل أسباب هزيمتنا سواء في حرب 1967 أو في
الحروب و المعارك السياسية اللاحقة. أنجزنا الهزيمة
باقتدار و لم ننجز حتى الآن طرح
الأسئلة . فالسؤال الشريحة من ثقافتنا الباحث عن خلاص
لم يطرح سؤال" ما العمل؟" و
هو السؤال الذي طالما كرره لينين أحد صناع ثورة أكتوبر.
و الحوار والديمقراطية أسئلة
لم تطرح طرحاً شافياً لا في الحقبة الناصرية و لا
في الحقبة الصّدامية فهل
عندما جاءت من الغرب مقرونة بدعوات " الإصلاح " أصبحت
هي أيضاً أفكاراً مستوردة؟
الأزمة أزمتنا و من نقاط الضعف لدينا يتذرع المهيمنون
على مقدراتنا اليوم. فهل يصدق
أن الجنرال شارون و جنرالات الحرب على العراق جاءوا لتعليمنا الديمقراطية و
الحوار؟ لكن علينا أن نعترف أن الفساد و الديكتاتورية و
فشل البورجوازيات الوطنية في
المحافظة على مكتسبات التحرر الوطني التي خاضتها
الشعوب العربية طوال قرن بداً
بثورة سعد زغلول في مصر المسبوقة بتجربة محمد علي
أول ديمقراطية ناشئة في مصر و
بدءاً بثورة العشرينات في العراق، كل هذه الإنجازات
وجدت من يضيعها ضياعاً و هباءً
منثورا. و حالما تنكرت الأنظمة لجماهيرها و حرمتها
من حقوقها الدستورية و
الإنسانية و الديمقراطية بدأ عصر الإنهيار الذي لا يمكن
الخلاص منه بقصة أو قصيدة أو لوحة
أو رواية عرمرمية. عندما تقع الهزيمة تنهزم الثقافة برمتها للحاكم و المحكوم و
ينهزم السياسي و الأديب و الفنان و المثقف. فالهزائم
لا تفرق بين السياسي و
الإبداعي و الجميع يدفع الثمن و إن بشكل متفاوت. الشيوعيون
في فلسطين مثلاً كيلت لهم
الإتهامات عندما وافقوا على قرار التقسيم و القرار242فماذا أنجز من كالوا لهم التهم حتى
اليوم؟ الشيوعيون في العراق ماذا
جرى لهم على أيدي البعث؟ ثم ماذا جرى للحزبين اليوم
على أيدي المحتلين؟ ألم يكن
اضطهاد طائفة هناك و أخرى هنالك هزيمة غير معلنة لثقافتنا؟
في كل الأزمنة و العصور
وجد مثقف للسلطة و مثقف متمسك بالشعب و ضد جور و تخلف و
ديكتاتورية السلطة. خذ على سبيل المثال أمريكا نفسها التي تحتوي ثقافتها
على مفكر مثل نعوم تشومسكي الذي ما أنفك يدينها و
الثقافة الصهيونية خذ مثلاً
إسرائيل شاحاك الذي ما أنفك يعريها و يدينها و ثقافة
منظمة التحرير الفلسطينية و من
ثم السلطة التي ما زال فواز تركي يدين تقصيرها تجاه
شعبها، فهل من وردت أسماؤهم مثقفو
استسلام أو تبشير؟ لكن إذا فشلت بعض القوى والأحزاب
و الفصائل في تبني برامج
واقعية ثورية تساهم في الحرية و التقدم و التغيير و
الإصلاح و الديمقراطية فهذا شأنها
و ليس شأن ثقافتها. إن ورود كلمة " حراب" في السؤال أحالني إلى الحراب التي
هشم بها ستالين رأس مفكر ثورة أكتوبر الأممية
تروتسكي العظيم صاحب كتاب " الثورة
الدائمة" و الذي لو قدر له أن يتسلم أو رضي بذلك
بنفسه ثورة أكتوبر بدلاً من
ستالين لتغير وجه العالم.
لكن لنعترف أن
البقاء لثقافة أممية ستلعب الصين في السنوات العشرين
القادمة دورها التاريخي بها، و حتى ذلك الحين ربما يدرك السياسيون و المثقفون
العرب خطورة الطائفية و الانعزالية و هزال البورجوازية
و الطبقات الطفيلية
الكومبرادورية المستفيدة مما هو قائم
الآن.و على
الثقافة العربية أن تكون أكثر
انفتاحاً على الآخر فليس كل آخر عدو و هي التي تحمل
أعداءها بين
ظهرانيها
العزلة
المضيئة
محمد
الأسعد
آسف لانني قرات مقالك متأخرا ً بعد أن نبهني صديق إلى
وجوده . لهجة المقال
غير رصينة ‘ فكل الذين انتقدت كتاباتهم بحدة لهم الحق ان يكتبوا
كما يشاوؤن ، سواء كانوا في فرق الطبول والمناسبات أو في فرق
الإعدام أو في فيافي المنافي . لكل إنسان الحق في أن يكون كما
يشاء ؛ قرداً ، نسناساً ، بطلا ، فدائيا ..إلخ .
اما مسالة
ان هذا الفريق او ذاك أو هذا الفصيل أو ذاك يروج لمن يواليه ،
ويتجاهل من يدير له ولأهامه ظهره ، فهذه مسالة لا تعلق لها
بالثقافة ولا بالإبداع الذي تدافع عنه بحرقة دم . فمن قال أن
هؤلاء الذين ذكرت وغيرهم هم العالم كله ؟ أو من قال أن الدائرة
الضيقة التي شغلت أجهزتها وموظفيها لخدمة هذا الجنرال الشعري أو
ذاك ، وأنت تعرف من أعني ، هي التي تمنح شهادات الوجود والعدم ؟
لا ياصديقي أنت مخطئ ، فالعالم أوسع من هذا السيرك المضحك ،
ولا أنتظر أنا شخصياً منه شيئاً ، بل ولا أتوقع شيئا ً . قوة
الإنسان أي إنسان في أعماقة ، وفي أعماله ، ولايجب أن يشغل
الكاتب أو الفنان نفسه بهذه الظواهر العابرة ، بهذا التعلق بنجاح
خادع لايدوم ، وشهرة لاقيمة لها في الميزان النهائي .إن له من
القضايا التي تؤرقه ، قضايا الإبداع أولا والتفكير بالمصائر التي
تتجاوز العابر والزائل ثانياً ، ما يشغله عن ترهات الصراع على
الارصدة المصرفية ومقاعد الجمعيات والتجمعات . عليه أن يتخطى كل
هذا ليستحق لقب الفنان . وما همه إذا كثر المنتحلون ؟ وما همه
إذا اختار قرد أن يرقص في حفلة هذا البطين
أو ذاك السمسار ؟
أعتقد أن علينا ياصديقي أن ننتبه إلى أنفسنا
، وندافع عن نقائنا ‘ فهذا وحده ما يجعلنا نكسب انفسنا ، ونكسب
محبة البسطاء من أهلنا .
أما ما ذكرته ،كأنك تتحسر ، من كوني
وكون فواز تركي مثلا مجهولين أو مهملين ‘ فأعتقد إنك لم تحسن
تدبر أمر العزلة المضيئة ( تذكر إنني حدثتك عنها قبل أكثر من ربع
قرن ) ، تلك التي هي أصدق في أحلامها من
يقظة الاخرين على حد تعبير الصديق الراحل محمود البريكان ، وأجمل
من تهريج المهرجين ، وأخصب من حياة الراكضين وراء مهرجان وجائزة
، والمحتمين من خوائهم بظل هذا السمسار أو هذا الخائف من لحظة
فقدان هوية الـ VIP .
لست قلقا على شيئ ، أي مرتعباً من فقدان شيئ ، ذالك
لأنني حر من كل تبعية لأحد أو مكتب أو رصيد .ليكن حديثك عن هذه
الحرية : عن جمال أن يكون الإنسان حراً ، ودعك من النطائح
والمترديات .
محمد الأسعد
malhardan@hotmail.com
نقد
النقد: ردا على رسالة «العزلة
المضيئة» | |
أفعل ما ليس بإمكانكم أن
تبتكروه أدافع عنك
ولا أشبهك، أستمع اليك ولا أتبعك، أفهمك، يا صديقي، فلا
أخذلك ... أليست هذه كل ما تبقى من عشرة عمر ابتدأت قبل
أكثر من ربع قرن؟ ولماذا يكون هنالك وسيط ثالث بين صديقين
إذا غير هامش ما تبقى لعزلة اختيارية وإجبارية في الوقت
نفسه؟ لم تسألني في رسائلك المفاجئة بعد قرابة خمس عشرة
سنة من الانقطاع عن صديقي الأقدم منك والذي كان طرفا رابعا
في حوارات العزلة التي كنت وخيري منصور اكثر المتحدثين
فيها واليوم بالكاد لصديقك أن يشبه نفسه أو أن يلتزم بما
قال؟ الحرية إذن باتت مسألة وجودية .. يا للمهزلة. وبدل أن
تنصحني من منبر إعلامي ليسمعك الناس ويقرأ لك المصفقون
بأن: أدعني من «النطائح والمترديات» ما دار بخاطرك سوى
ذاتك، فلا هذه نبرتك ولا هي نبرتي التي تعرف. حسنا، دعك من
نصائح بوذا ولتتذكر محمد عبد القادر صديقي ومن ثم صديقنا
الرابع الذي كان اكثرنا التزاما بالعزلة «المضيئة» التي
دارت حواراتها في أول منزل للزوجية لي في «جليب الشيوخ» في
اطراف الكويت المفضية الى الصحراء. فقد نال في عزلته درجة
الدكتوراة وعليك احترام مشاعره الآن لأنه لم يبتذل الكتابة
في الصحف والمجلات بعد. ولذلك لن يحتاج مطلقا لنصائحك ولا
لصداقة من أعرف وأنت تعرف جيدا. لن ننهي نحو اكثر من
ثلاثين عاما من معرفتنا لبعض بحياكة مؤامرة على أحدنا،
ولذلك كان يتوجب الافتراق بسلام وقدر لازم من احترام كل
منا لنقاط ضعف الآخر. لذلك لم أتدخل الا في ما يخصني من
اسئلة التحرر والحرية ومن اسئلة الصمود أمام مواجهتي لقدري
بالعودة وحيدا الى الأردن، حتى دون الأسرة التي كانت كل ما
املك في الكويت. تركتها لتلحق اولا بي وغادرت مفسحا لك
الوظيفة والمكتبة والبلد كاملة كي تعود اليها بأي جواز سفر
تختار ومن أي بلد تعود، من الأردن حيث صديقك! أو من قبرص
حيث كان لك اصدقاء «غادروها الى لندن التي زرت» او من
بلغاريا حيث منحت جواز السفر وشهادة الدكتوراة التي تنكر
على نفسك شهوتها مثلما ينكر صديقك الأقدم شهوة الشهرة ومن
ثم السقوط الى اعلى في عمان العاصمة او القاهرة حيث يشبع
شهوة اقتسام القراء هناك بينه وبين نجيب محفوظ مثلا، أي في
أقصى درجات تواضعه. ومع ذلك أدافع عنكم جميعا اذا لزم
الأمر وأرفض ان تغريني الوليمة التي كي اعيش كان لا بد من
تقديم احدكم على طبق وفي فمه «البقدونس» إلي كي يكون وجبة
الاختلاف في طريقة الكتابة وشجاعة الابتكار وقوة السؤال عن
عمل. طرقت ابواب العمل في العاصمة عمان ويعرض علي
الدكتور نبيل الشريف قبل ان يصبح وزيرا للاعلام العمل في
القسم الثقافي، واعتذرت عما انا بحاجة اليه، اقصد في أمس
الحاجة، لأن المتربع على كرسي التنظير الثقافي في الأردن
صديقك الذي احيانا يشبهك والذي رغم تنوع المصائر ربما يبقى
ملاذك الأقوى في النظرية وأوهام الحرية التي تعتقد انني
بحاجة للكتابة عنها وأنا افضل منجز لها منكم جميعا، فأولها
أنني بعزلتي تحررت من أصدقائي وحررت الآخرين من السؤال عن
واجبهم الأخلاقي. كي يتفرغوا لأسرهم وطموحاتهم بالكامل.
ولذلك تمنياتي لغسانك في امريكا بالتوفيق وتمنياتي لغساني
الذي لم يعد يخص سوى أخواله أكثر مما يخصني بعد أن تحررت
من «الأسرة» أيضا. فهل انجزت أنت الوهم؟ اعرف .. أنك كنت
على حافة الهاوية، ولكن عليك أن تسأل نفسك يا صديقي .. كم
خطوة اليها كانت باختيارك وكم خطوة دون اختيارك، ولكن ..
نشكر الله - كما يقول مارسيل خليفة - بعدنا عايشين. أما
أنا فعزلتي بدون بيت او كهرباء. عزلتي اجترح اضاءتها بقوة
احتمال التشرد وابتكار السخرية. كما لا يفعل محمود درويش
www.nazmi.org.
|
رجوع Back Back to articles and
opinions
( Originality on other sites)